يكتب حمزة هنداوي من القاهرة، أن مصر كثّفت تحركاتها الإقليمية للضغط على إثيوبيا، عبر اتفاقات لتطوير موانئ استراتيجية في القرن الأفريقي، في ظل تصاعد الخلاف المزمن حول مياه النيل وسد النهضة.

 

يذكر موقع ذا ناشيونال أن القاهرة وقّعت بهدوء اتفاقين لتطوير ميناءي عصب في إريتريا ودوراليه في جيبوتي، ضمن مساعٍ أوسع لتعزيز نفوذها البحري والأمني قرب البحر الأحمر وباب المندب، وهي خطوة تحمل أبعادًا سياسية وعسكرية في آن واحد.

 

موانئ استراتيجية ورسائل سياسية

 

اتفقت مصر، وفق مصادر في القاهرة، على تحديث ميناء عصب الإريتري على البحر الأحمر، وميناء دوراليه الجيبوتي على خليج عدن، بما يشمل زيادة الطاقة الاستيعابية، وإنشاء أرصفة قادرة على استقبال قطع بحرية حربية، مع إمكانية نشر وحدات عسكرية صغيرة عالية التدريب. يقع الميناءان قرب مضيق باب المندب، البوابة الجنوبية للبحر الأحمر، ما يمنحهما أهمية استراتيجية بالغة.

 

تعتمد إثيوبيا، الدولة الحبيسة، اعتمادًا كبيرًا على ميناء دوراليه في حركة تجارتها الخارجية، وهو ما يضفي على الاتفاق المصري الجيبوتي بعدًا ضاغطًا مباشرًا. وتمتلك مصر في المقابل أكثر من ألفي كيلومتر من السواحل على البحر الأحمر في البر الرئيسي وسيناء، إضافة إلى سيطرتها على قناة السويس، الشريان البحري الذي يربط البحر الأحمر بالمتوسط.

 

حضور عسكري وتحالفات إقليمية

 

جاء توقيع الاتفاق مع إريتريا خلال زيارة غير معلنة التفاصيل للرئيس الإريتري أسياس أفورقي إلى القاهرة في أواخر أكتوبر، بينما جرى التفاوض على اتفاق جيبوتي عبر مسؤولين كبار من الجانبين. وتقول المصادر إن القاهرة ستشيّد بنية تحتية تتيح تزويد قطع أسطولها الجنوبي بالوقود والإمدادات، بما يشمل مدمرات وغواصات وحاملات جنود ومروحيات.

 

يسمح الاتفاق مع جيبوتي أيضًا بتطوير شبكة الطرق المؤدية إلى ميناء دوراليه، وهو شريان حيوي للاقتصاد الإثيوبي. ويؤكد مسؤولون مطلعون أن هذه الترتيبات “تُضفي شرعية على الوجود العسكري المصري”، مشيرين إلى أن السفن الحربية المصرية باتت تزور الميناءين بانتظام.

 

سد النهضة.. جوهر الخلاف

 

تتواصل منذ أكثر من عقد أزمة سد النهضة الإثيوبي الكبير، الذي ترى فيه مصر تهديدًا وجوديًا لاعتمادها شبه الكامل على مياه النيل. تخشى القاهرة أن يقلص السد حصتها المائية، وأن يمنح أديس أبابا قدرة غير مقبولة على التحكم في تدفق المياه خلال فترات الجفاف.

 

طالبت مصر والسودان باتفاق قانوني ملزم ينظم تشغيل السد وإدارته، لكن إثيوبيا شددت مرارًا على حقها السيادي في تشغيل المشروع، مؤكدة فوائده التنموية. ولم يؤثر الملء التدريجي لخزان السد بين عامي 2020 و2024 بشكل ملحوظ على حصة مصر، بفضل غزارة الأمطار في الهضبة الإثيوبية، غير أن السودان اشتكى من فيضانات مدمرة نتيجة غياب تبادل البيانات الفورية.

 

في ظل تعثر المفاوضات منذ عامين، كثفت مصر بناء تحالفات مع دول الجوار الإثيوبي، مثل الصومال وجيبوتي وإريتريا وكينيا، وقدّمت خبرات فنية لعدد من دول حوض النيل. وبدأت القاهرة العام الماضي نشر قوات ومستشارين عسكريين في الصومال عقب اتفاق دفاعي، وقدمت دعمًا عسكريًا لمكافحة حركة الشباب، مع نية المشاركة في بعثة سلام أفريقية جديدة.

 

يرى محللون أن غياب مسار تفاوضي جاد دفع الصراع نحو ساحات إقليمية أوسع. ويقول ويليام ديفيسون، مدير تحرير إثيوبيا إنسايت، إن التوتر يتركز الآن على الدور المصري في الصومال والطموحات البحرية الإثيوبية، مشيرًا إلى أن وجود قوات مصرية هناك يثير قلق أديس أبابا، لكنه لا يرجح اندلاع حرب مباشرة.

 

يخلص التقرير إلى أن سد النهضة أصبح واقعًا دائمًا سيواصل تغذية التوتر بين البلدين، من دون أن يفتح أفقًا حقيقيًا لبناء الثقة أو التعاون، ومن دون أن ينزلق، في الوقت الراهن، إلى مواجهة عسكرية مفتوحة.

 

https://www.thenationalnews.com/news/mena/2025/12/24/egypt-increases-pressure-on-ethiopia-through-port-deals-with-eritrea-and-djibouti/